مراجعة رواية ج
محرري منصة أدب ماب


قصة الرواية:
رواية "ج" تسرد طفولة شقيقين في قرية سعودية صغيرة، يتناوبان على حكاية تفاصيل حياتهما اليومية بلغة حميمية مشبعة بالنوستالجيا. الذكريات البسيطة، الألعاب المبتكرة، نظرات الناس، سلطة الأخ الأكبر، والأم التي تحفظ تفاصيل الحياة، تتقاطع كلها لتبني لوحة شديدة الشفافية عن النشأة والانتماء. تتشابك السرديات مع شهادة راوٍ ثالث "أبو فهد" الذي يكشف أبعادًا أعمق عن مفهوم الذاكرة والتذكر.
مراجعة الرواية:
رواية "ج" عمل أدبي نابض بالحياة؛ كتبت بلغة سلسة عميقة، تستدعي طفولة القارئ حتى لو لم يعش ذات الظروف. براعة الزماي تتجلى في طريقة بناء الأصوات الثلاثة (محمد، عبدالله، أبو فهد) بأسلوب واقعي دون تكلف، وجعل القرية تتحول إلى شخصية حيّة في السرد. الرواية تتميز بالثراء الشعوري، ومزج الذكريات الصغيرة بالحكمة العميقة عن معنى النشأة والانتماء والحنين.
تنوع السرد بين الأخوين ثم تعليق "أبو فهد" أعطى النص بعداً تحليلياً راقياً جعل القارئ يتأمل أكثر في مفهوم الذكريات: هل هي كما حدثت؟ أم كما أحببنا أن نتذكرها؟
مكان وزمن الرواية:
تدور أحداث رواية "ج" في قرية سعودية صغيرة تحمل الاسم الرمزي "جيم"، حيث تحتفظ بأجواء القرية التقليدية في زمن التسعينات الميلادية تقريباً. المكان هنا ينبض بتفاصيل الحياة اليومية: ساحة القرية الترابية، سوق الأربعاء البسيط، البيوت الطينية، الحارات الضيقة، والمسجد الصغير وسط السوق. الحياة تسير بهدوء الريف وقوانينه غير المكتوبة التي تنظم السير والأدوار الاجتماعية بين الناس دون تصريح. أما الزمان، فهو حقبة ما قبل الطفرة التقنية والتمدن الواسع؛ عندما كانت القرية عالماً مكتفياً بذاته، والذاكرة الجماعية تحفظ الحكايات والأحداث الصغيرة كما لو كانت تواريخ كبرى. يظهر الزمن عبر تفاصيل دقيقة: الخروج إلى السوق مشياً، حضور صلاة العصر في المسجد الترابي، انتظار مجيء رمضان بشغف الطفولة، وحكايات الجدات قبل النوم. إنه زمن الطفولة المحض، والزمن البطيء، حيث تصبح الأيام طويلة مليئة باللعب البريء والحكايات المكتومة تحت مظلة مجتمع قروي مترابط لا يزال متمسكًا بعاداته القديمة.
تقييم أسلوب الكتابة:
اتسم أسلوب الكتابة في رواية "ج" بعفوية صادقة وقدرة ملحوظة على تحويل الذكريات اليومية إلى مشاهد تنبض بالحياة، حيث جاءت اللغة قريبة من النفس دون تكلف، مشحونة بالبساطة والحميمية. تميز السرد بتعدد الأصوات بين محمد وعبدالله وأبو فهد، مما أضفى على الرواية بعدًا إنسانيًا عميقًا، وأعطى كل شخصية نبرة متفردة رغم اشتراكهم في ذات المكان والزمان. من أجمل ما يميز أسلوب الزماي هو التقاطه لتفاصيل القرية وألعاب الطفولة وهمسات الحياة اليومية برهافة حسّ ودفء نادر.
مع ذلك، برزت بعض النقاط التي كان بالامكان تحسينها، أبرزها الإطالة في الفصول التأملية خصوصًا في شهادة أبو فهد، مما أبطأ إيقاع الرواية في بعض المقاطع، كما ظهر تكرار في بعض المشاهد دون إضافة جوهرية للسرد، وكأن بعض الذكريات استُعيدت أكثر من الحاجة. كان بالإمكان تحسين ذلك عبر ضغط الفقرات التأملية أو توزيعها بشكل أكثر توازنًا، والتركيز على تطوير المشهد بدلاً من إعادة وصفه من زوايا مشابهة. كما أن استعمال فواصل سردية أو إشارات زمنية أوضح كان سيساعد القارئ على تتبع تنقلات الذكريات بسلاسة أكبر. ومع كل ذلك، يبقى أسلوب عبدالله الزماي في "ج" علامة فارقة في كتابة الذاكرة القروية بحسّ إنساني شفيف، يضع القارئ أمام مرآة الحنين دون تصنّع أو ادعاء.
الخلاصة:
رواية "ج" لعبدالله الزماي عمل أدبي دافئ ومليء بالحنين، استطاع أن يلتقط تفاصيل الطفولة والحياة القروية بلغة صافية وعاطفية. اعتمد السرد على أصوات متعددة منسوجة بعناية، نقلت القرية وزمنها كما لو كانت لوحة حية.
رواية ممتعة، مؤثرة، مفعمة بالذكريات 😊
تقييمنا بإختصار:
📝
🧑💻
⏳
⭐️
🎬
آخر المراجعات
أدب ماب
جميع الحقوق مسجلة لدى هيئة الملكية الفكرية © 2025
Adapmap
خريطة الموقع