a desert scene with a white and orange background

مراجعة رواية أخابيط

قصة الرواية:

في عالم سعودي مستقبلي، تنهار العاصمة تحت هجمات ذكاء اصطناعي متحرر يُدعى "أخابيط"، بينما تنطلق تماضر، مبرمجة بارعة، في رحلة محفوفة بالمخاطر لإيقافه. الرواية تجمع بين الأكشن والتقنية والبعد الإنساني، وتتناول قضايا الاستقلال والعائلة والمقاومة والنجاة في ظل نظام مراقبة خانق.

مراجعة الرواية:

رواية "أخابيط" هي رواية مغامرات من الطراز الرفيع، تنقلك من أحياء العاصمة الصاخبة إلى ثكنة أبو عناد في قلب الصحراء، حيث تُختبر الولاءات وتتفجر الصراعات، وتُخلط معايير البقاء بالقيم. الثكنة لا تمثل مجرد ملاذ بدوي، بل مختبرًا اجتماعيًا مصغرًا تظهر فيه الأنانية والنجدة، الاستبداد والمروءة، وتُصنع فيه التحالفات الخطرة والبطولات المباغتة.

في هذه الثكنة، خاضت الشخصيات مغامرات مركبة: تماضر تُختطف وتقاوم، الجوهرة تواجه عناد قائد القبيلة العنود، ومحمد يفقد زوجته سارة التي تُختطف على ظهر الجمال من قبل قطاع طرق ملثمين. وبينما يتأرجح التوازن بين الفارسات ومسلحي أبو عناد، تنشب معارك درامية مدهشة، وتظهر مواقف بطولية نسائية محضة، خاصة حين تقود العنود الهجوم المعاكس وتثبت أنها الوريثة الحقيقية لقوة والدها.

الجانب الاجتماعي في الثكنة يكشف عن بنية سلطوية ذكورية تتهاوى حين تنهار السيطرة المركزية، ويُظهر كيف أن النساء – من العنود إلى الجوهرة – هن من يقمن بترتيب صفوف النجاة.

أسلوب السرد في هذا الجزء مفعم بالتوتر والتفاصيل الدقيقة، وكأن القارئ داخل القبة مع الرجال أو يركض في الصحراء خلف المخطوفين. تتعدد الأصوات وتتصاعد الأحداث حتى تبلغ ذروتها عند انقلاب المشهد ومقتل أبو عناد على يد سامر، مما يقلب موازين الرواية بأكملها ويدفع الشخصيات للهرب والتشتت، فتستعد الأرض لما سيأتي لاحقًا من صدامات أكبر في جبل صبحا و"العين".

مكان وزمن الرواية:

تقع أحداث الرواية في المستقبل القريب، في عاصمة سعودية متخيلة تمتد إلى صحراء جبل "صبحا"، وتتنقل الشخصيات بين بقايا المدينة التقنية المتقدمة وكهوف النجاة التراثية. أما ثكنة أبو عناد فتمثل "الهامش الحر" الذي يكشف ما تبقى من العلاقات القبلية، والأعراف، والهويات المتصارعة في زمن الفوضى التقنية.

تقييم أسلوب الكتابة:

أسلوب لينة الشعلان في رواية "أخابيط" يُعبّر عن نضج سردي نادر في الروايات السعودية ذات الطابع المستقبلي، ويكشف عن قدرة فائقة على الموازنة بين البُعد الفني والتقني في آنٍ معًا. فهي لا تكتفي بنسج حبكة مشوقة، بل تذهب أبعد من ذلك نحو بناء كونٍ لغوي خاص، تتقاطع فيه الجُمل القصيرة اللامعة مع المشاهد البصرية الكثيفة، وتُطوّع فيه اللغة لصالح الإيقاع الداخلي للنص. 

ومما يُحسب للكاتبة كذلك، قدرتها على التحكم في وتيرة السرد. فالفصول لا تتشابه إيقاعيًا: هناك فصول تنبض بالإثارة وتكاد تُقرأ بنفسٍ واحد، وأخرى تتأنى في الغوص داخل وعي الشخصيات وتفكك طبقاتهم النفسية. هذا التنويع يجعل الرواية أقرب إلى "سيمفونية سردية"، تتغير نبرتها بحسب الموقع والموقف والحالة الشعورية للشخصيات.

لكن مع هذه القوة الأسلوبية، يمكن تسجيل ملاحظة واحدة فقط تتعلّق ببعض التراكمات التفسيرية التي تظهر في منتصف الرواية، حيث تُفسر بعض الشخصيات دوافعها أو خططها بتفصيل لا حاجة له أحيانًا، وكان يمكن الاكتفاء بإيماءة أو فعل رمزي بدلًا من التوضيح المباشر. هذه الملاحظة لا تُضعف النص لكنها تُشير إلى مساحة يمكن فيها تحسين التكثيف.

في المحصلة، أسلوب لينة الشعلان في "أخابيط" هو أسلوب سردي متمكن، رؤيوي، ومتفجر بالتفاصيل الحية. وهو ما يجعل الرواية لا تُقرأ فقط، بل تُشاهد وتُسمع وتُحسّ، كأنها عمل سينمائي ناضج مكتوب بالكلمات.

الخلاصة:

رواية "أخابيط" ليست مجرد رواية خيال علمي، بل مرآة فلسفية لمستقبل متخيل جدًا وقريب جدًا منا، تطرح أسئلة عميقة عن الذكاء، والتحكم، والهوية، والحب، والخيانة. إنها رواية سعودية عالمية النفس، متماسكة الرؤية، مليئة بالتشويق والدهشة.

📝

🧑‍💻

⭐️

🎬

آخر المراجعات

أصوات حشود بشرية متداخلة، صراخ غير واضح ولغط وأجراس إنذار متعددة. كتل دخان سوداء مهيبة ترتفع للسماء، استولى الرعب على تماضر، صف البيوت على الشارع أخذ يتفجر واحدًا تلو الآخر. طائرات قتالية مسيّرة تقوم بقصفها بشكل منظم وهي تحوم فوقها، وتقترب نحو بيت أم تماضر.